تخريفات إطار

العلاقات البشرية لماذا نضع لها أسماء
صداقة، حب، إلخ إلخ إلخ
أعتقد أن إطلاق أسم على العلاقة هو عملية تصنيف وتأطير لها
عبء يوضع على كاهل طرفين العلاقة، يلزمهم بنموذج معين يجب إتباعه في العلاقة، هدف معين لها، واجبات والتزامات على كلاً من طرفين العلاقة، وليس بالضرورة أن يكون هذا ما يرغب فيه طرفين العلاقة، بل بالعكس، أعتقد أن دمار العلاقة تبدأ من لحظة افتراض أشياء لم يتفق عليها وتوقع أشياء لم يوعد بها.
وأعتقد أن هذا في حد ذاته قد يكون معيقاً لنمو العلاقة بين الطرفين، لأنه أفترض مسبقاً إلى أين ستذهب هذه العلاقة بأدق تفاصيلها، في حين إن هذا ليس بالضرورة ما قد يرغب فيه الطرفين أو على الأقل أحد الأطراف.
فتصنيف العلاقة أو وضع أسم لها يطرح لها إطار
هذا الإطار يطرح تصور و"المثال لما يجب أن تكون عليه العلاقة"
وبالتالي تبدأ عند الطرفين توقعات تؤدي لواجبات والتزامات.
ليس معنى هذا أني ضد المثال أو الواجبات أو الالتزامات، لكني ضد أن يتم فرض هذا على طرفي العلاقة، فقط أن يقوم الطرفين بصياغة (أو عدم صياغة) هذه التفاصيل بينهم البعض من خلال نموهما المشترك داخل علاقتهم، بغض النظر هل سيصلوا لهذا الإطار أو ذاك، هل مجرد سيصلوا إليه فقط أو سيتجاوزونه.
طبعاً هنا لابد من التأكيد أن ما أطرحه هنا هي مجرد وجهة نظري في العلاقات البشرية كلها، بغض النظر أن المسمى الذي يطلق عليها، صداقة، حب، زواج، إلخ إلخ إلخ، علاقة بين ولد وبنت، صديق وصديقه، شركاء سكن، إلخ إلخ إلخ.
طبعاً قد يرى أن هناك عيب خطير في فكرة انعدام الإطار وهو انعدام الإحساس بالأمان، لعدة أسباب نجملها في:-
1- الإنسان بطبيعته يشعر بالألفة أكثر مع النماذج المعروفة إليه، وفكرة إنعدام الإطار تجعل الشخص طوال الوقت في نقطة مجهله من خط معلوم بدايته وغير معروف نهايته.
2- الإطار يطرح وعود ضمنية بمجرد وضع أسم للعلاقة بأن كل شيء سيكون بخير، أحساس بالأمان، وعد بالاستمرارية، وكل هذا لا يتوافر إلا داخل الأطر.
لكن هل هذا الإحساس بالأمان حقيقي؟
كم من العلاقات المؤطرة دخلناها وخرجنا منها بلا أي شيء سوا الإحباط من الوعود الوهمية التي وعدنا أنفسنا بها بمجرد انتقائنا للإطار.
كم من العلاقات خنقت نتيجة إجبارها على الدخول في طريق ذو اتجاه واحد لا حرية فيه للطرفين في أي شيء غير السير على خطى السابقين.
وكل هذا من أجل هذا الإحساس الزائف بالأمان، ووهم الاستمرارية.
وأعترف أن إنشاء علاقة إنسانية خارج الأطر المتعارف عليها أمر غاية في الصعوبة، لن ينجح بدون:-

1- الهدف هو التفاعل وليس النتيجة
فالنتيجة هي محصلة للتفاعل فلا توضع في مقام سابق عليه، العبرة بالتفاعل الصادق وليس تمثيل أدوار سابقة الإعداد لمجرد الاتساق مع إطار سابق التجهيز والإعداد.
لكن أليس من الإنساني أن نأمل، نحلم، نتمنى، أليس هذا الحلم أو الأمل أو الأمنية هي بداية الإطار.
عن نفسي أنا لدي أمالي وأحلامي وأمنياتي ولكن لن ألوي عنق تفاعلاتي لتتماشى وهماً مع هذه الأمنيات.
لن أتوقع، ولكن سأكون سعيداً إذا وصلت لما أتمناه، وأدرك جيداً أني لن أصل إليه إلا بالتفاعل الحر الغير مقيد بتوقعات.
صعب، أدرك هذا ولكن ما البديل؟ لم أجد بديلاً أخر.

2- الأمانة مع النفس والصراحة مع الطرف الأخر
فلن أخدع نفسي، وأعيش الوهم في أني أحقق ما كنت أحلم به، لن أتناسى هذا الصوت الخافت الذي يئن داخلي بأن هناك شيء ناقص، ليس هذا ما تريده (بالكامل)، ولن أصل لشيء صحي إلا بأمانتي مع نفسي وصدقي مع الطرف الأخر.
لكن ألن يكون هذا محبطاً لي أو للطرف الأخر؟
أعتقد أن عواقب تجاهلي لهذا الصوت الداخلي، عواقب لوي عنق الواقع ليتوافق مع أحلامي وأمنياتي سيكون الشيء الأكثر ألماً لي وللطرف الأخر.
وأعتقد إن انعدام الأطر سيوفر جواً مناسب لهذه الصراحة المتبادلة لأنه في الأساس لا توجد توقعات، ولا توجد أهداف سابقة الوضع للعلاقة وبالتالي ليس هناك خوف أن طرف قد يخيب توقعات طرف أخر أو أن يسيء الظن به.

3- التحرر من الأطر داخلياً
لان قيد الإطار ليس فقط فيما يتوقعه الطرف من الأخر والذي يضع هذا الأخر في غلال صنعت من التوقعات شريكة المشروعة بناء على الإطار السابق الاتفاق عليه، ولكن أيضاً نحن نضع على أنفسنا هذه الغلال التي تحكم تصورتنا عن أنفسنا وما نقبله في هذا النوع من العلاقات وما لا نقبله، فنحن من نقيد أنفسنا وعقلنا ومشاعرنا قبل أن نقيد الأخر.
وعلينا أن نتحرر من هذه القيود التي بداخلنا أولاً حتى نستطيع أن نتفاعل بشكل حر.

4- التقبل
أعتقد عن نفسي أني لن أستطيع أن أتفاعل بشكل حر، بصدق على الأقل مع الطرف الأخر، متحرراً من القيود الخارجية والداخلية إلا بثقتي من تقبلي وتقبل الطرف الذي أمامي من النتيجة التي ستتحقق نتيجة تفاعلنا والغير معلومة لنا حتى تصبح واقعناً أمامنا، وليس فقط تقبلي أنا هو المهم ولكن أعتقد أن ثقتي في تقبل من أمامي هي التي ستحررني وتطلق مشاعري وانفعالاتي لتتفاعل داخل العلاقة.

وأخيرا الرهان بمجمله صعب، لكن لا تختلف صعوبته عن أي علاقة مؤطرة ففي النهاية الأمان المفترض في العلاقات المؤطرة ليس إلا أماناً وهمياً، ووعوداً وهمية، ونهايات محبطة.

-------------------------------------------------

1- من فترة كنت أحاول أن أفكر في معنى كلمة علاقة ونتيجة العديد من المناقشات تولدت لدي الأفكار الأساسية لهذا النص.
2- عندما بدئت أكتب هذا النص بدئت على شكل محاورة مع نفسي، ثم قررت أن أكتب ما يدور في ذهني، حتى انتهيت بهذا النص.
3- قبل انتهائي من الصياغة النهاية عرضت النص على أكثر من صديق، وصرح لي أحدهم أن وجهة النظر هذه ليست جديدة، فهي قتلت بحثاً من قبل، ولكن يبقى أن هذا ما أفكر فيه الآن، أو هكذا أرى الأمور الآن.

2 comments:

aragooz said...

يا عزيزي بلا تخاريف بلا إطارات
العلاقات ابسط من كده بكتير
العلاقات... كالقطارات لابد أن تذهب لمكان ما
من غير ما تسوقها او تعمل معاها اي حاجة
دي عاملة زي اي حاجة ماشية لوحدها كده، وأول ما نحاول ندركها تبوظ مننا
خليك متجاوز لكل ده، وعيش الحياة متفكرهاش، الحياة اقصر من اننا نفكرها

ِABM said...

عزيزي الأراجوز
شرفت بزيارتك وتعليقك
ومتفقك معاك تماماً
وعلشان كده كتبت ألي كتبته
لا تكبير ولا تقعير
مجرد توضيح لأفه متفق معك في توصيفها
وهي على حد قولك
من غير ما تسوقها أو تعمل معاها اي حاجة
بس إزاي حتوصل لدوت
إلا لو عملت ألي أنا كاتبه
من عدم التوقع
والتقبل
والأمانة مع نفسك
والصراحة مع الأخر

فحقيقي أنا متفق معاك
وكلامك بيؤكد كلامي
وشكراً لزيارتك

My Mode Now



: )